طائر النوم ...

من أكثر الأشياء المستفزَّة في روتين رمضان هي الفوضى التي تلحق بجدول النوم. المجد الحقيقي للذين لا تنفلت منهم ساعات الليل دون شيء منه. حول هذا، تتجلَّى ظاهرة طائر النوم، ورغم أنَّها موجودة في كل الشهور والأوقات، لكنها تظهر بوضوح وحدَّة أكثر في رمضان. يحدث أن تمضي الليلة بمنتهى النشاط، كأنك بطارية جديدة. ثمَّ قبل أن يحين وقت صلاة الفجر بدقائق يهبط عليك حجم سماء من الإرهاق. تصير كأنَّك نعاس يشعر بإنسان، لا العكس! يغلبك أحياناً وتغلبه أخرى.

كشخص سلَّم له في كثير من المرات أستطيع أن أقول لو كان من النوم أطباق، فإنَّ هذا ألذُّها وأشهاها وأكثرها إشباعاً.

بعض الروايات تقول أنَّه الشيطان يحبسني عن الصلاة، و أن النوم في هذا السياق خطيئة، فأنام ورأسي مابين مطرقة الذنب وسندان النعاس. لكن .. إن كنتُ سأنسب هذا الذنب للوازع الديني، فمن العدل أن أنظر إلى المواطن التي ذكر فيها النوم والصلاة دون تذنيب. وأوَّل ما يحضرني هو أن الله قد رفع القلم عن النائم، أنزله منزلة الصغير والمجنون المعفيين من قضاء الصلاة الموقوتة. ومن الأثر الذي لا أعرف له مرجع أكيد: "إن غلب النوم رجلاً فنام عن الصلاة، إنَّما هي صدقة الله عليه." فالعفو والصفح أقرب إلى الله في هذا الشأن. وأعتقد أنَّ كرمه يقضي بأن يجزي الذين يغلبون النوم للصلاة زيادة عن الذين يكبرون الوسائد. إلى جانب ذلك، لا أعتقد أنَّ الوسواس يملك أن ينزل علينا النوم أو يرفعه، لكن الله يفعل. ينزله أمنةً يغشانا طمأنينة وسكون. أعتقد أنَّ النوم يليق بالله فعلاً، ينفثه فينا كما نفث الحياة.

لم يزل العلم حائراً في كشف ماهية النوم، و لم يزل الفنُّ وأهله يحاولون.

النوم حقيقة معقِّدة تستعصي على الفهم. نستلقي في وضعية الأموات، لكننا على قيد الحياة. لا ندري عمَّا يحدث حولنا لكن لسنا في غيبوبة، نائمون على أرض الواقع لكن هائمون نسرح في أرض الأحلام. ننام ولا تنام مشاعرنا: نصاب خلال النوم بالذعر والسعادة، نستقيظ أحياناً بطاقة وأحيانا متعبين كأننا بتنا نجاهد. .النهاية